فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الرعد: 26]، وفي سورة القصص: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص: 82]، وفي سورة العنكبوت: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [العنكبوت: 62]، وفي سورة سبأ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [سبأ: 39]، وفي الشورى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى: 12]، للسائل أن يقول: إن هذه الآيات الخمس قد انطوت مطابقة على معنى واحد هو إخباره سبحانه بأنه المنفرد بالقبض والبسط، كما أنفرد بالخلق والأمر، فإذا اجتمعت في هذا المعنى فما وجه انفراد آية القصص وآية سبأ بزيادة ما ورد فيهما من التخصيص في قوله: {مِنْ عِبَادِهِ} وقوله: {له}؟ ولِمَ لَمْ يرد ذلك في السورة الأخرى؟
والجواب عنه والله أعلم: أن آية العنكبوت لما تقدم قبلها في قصة إبراهيم، عليه السلام، قوله لقومه: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ
الرِّزْقَ} [العنكبوت: 17]، ثم ضرب سبحانه مثلا لما عبد من دونه فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41]، ثم أنس عباده المؤمنين بقوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56]، ثم قال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60] فأخبر سبحانه أنه المنفرد برزق الكل كما انفرد بخلقهم، فناسب هذا قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت: 62]، فخص بعد أن عم بقوله: {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60] تشريفًا للمؤمنين ليستأنسوا بما يجري لهم من الضربين ويذكروه في حال القبض والبسط بالإضافة إضافة تشريف، ولما لم يتقدم في السور الأخرى مثل ما تقدم هنا بل فيها ما يفهم منه أن المؤمنين لم يقصد تخصيصهم بذلك الخطاب بوجه، ألا ترى قوله في {آية} الرعد: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الرعد: 26]، وليس هذا من شأن المؤمن، فإن الدنيا سجنه وإنما فرحه بربه وبما يرجوه منه في آخرته. وأما آية القصص فمنصوص فيها أن الذين تمنوا حال قارون ومكانه هم القائلون: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} [القصص: 82]، فإنما قالوه عالمين بأن الله سبحانه بسط لقارون ما بسط فعلموا أنه القابض والباسط وأنه لايمنع عن أحد ما بسط له. وأما آية الشورى فقد تقدمها ما هو أبين شيء في تعميم المؤمن والكافر وذلك قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى: 12]، فإذا كانت له مقاليد السماوات والأرض فمن أين يُرزق المؤمن والكافر؟ ليس إلا من عنده، فلم يقصد في هذه الآية تخصيص المؤمن وتشريفه كما قصد في تلك، فلما اختلف القصد اختلف الوارد، فجاءت كل آية على ما يجب، ولا يمكن خلافه، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}.
يبسط الرزق للأغنياء ويُطَالِبُهم بالشكر؛ ويُضَيِّقُ على الفقراء ويطالبهم بالصبر. وَعَدَ الزيادةَ للشاكرين، ووعد المَعِيَّة للصابرين. للأغنياء الأموال بمزيدها، وللفقراء التجرد في الدارين عن طريفها وتليدها.
قوله جلّ ذكره: {وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ في الأَخِرَةِ إلاَّ مَتَاعٌ}.
فَرِحَ الأغنياءُ بزكاء أموالهم، وفَرِحَ الفقراء بصفاء أحوالهم.
{وَمَا الْحَيَاةُ في الأَخِرَةِ إلاَّ مَتَاعٌ} قليلٌ بالإضافة إلى ما وعدهم الله، فأموالُ الأغنياء- وإنْ كَثُرَت- قليلةٌ بالإضافة إلى ما وعَدَهم من وجود أفضاله، وأحوال الفقراء- وإنْ صَفَتْ- قليلة بالإضافة إلى ما وعدهم من شهود جماله وجلاله.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)}
{يُضِلُّ مَن يَشاءُ}: وهم الذين لم يشهدوا ما أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم من الشواهد والبرهان حتى الزيادة.
{وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ} [النور: 46]: وهم الذين أبصروا بعيون أسرارهم ما خُصَّ به من الأنوار فسكنوا بنور استبصارهم.
{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}
قومٌ اطمأنت قلوبُهم بذكرهم الله، وفي الذكر وَجَدُوا سَلْوَتَهم، وبالذكر وصلوا إلى صفوتهم. وقومٌ اطمأنت قلوبُهم بذكر الله فَذَكَرَهُمْ الله- سبحانه- بلطفه، وأَثْبَت الطمأنينةَ في قلوبهم على وجه التخصيص لهم.
ويقال إذا ذكروا أَنَّ الله ذَكَرَهم استروحت قلوبُهم، واستبشرت أرواحُهم، واستأنست أسرارُهم، قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} لِمَا نالت بِذِكْرِهِ من الحياة، وإذا كان العبدُ لا يطمئن قلبُه بذكر الله، فذلك لِخَلٍ في قلبه، فليس قلبه بين القلوب الصحيحة.
{الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}
طابت أوقاتُهم وطابت نفوسُهم.
ويقال طوبى لمن قال له الحقُّ: طوبى.
طوبى لهم في الحال، وحُسْنُ المآب في المآل. اهـ.

.قال ابن القيم:

فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الطمأنينة:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] وقال تعالى: 0: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27-30] الطمأنينة سكون القلب إلى الشيء وعدم اضطرابه وقلقه ومنه الأثر المعروف: الصدق طمأنينة والكذب ريبة أي الصدق يطمئن إليه قلب السامع ويجد عنده سكونا إليه والكذب يوجب له اضطرابا وارتيابا ومنه قوله: «البر ما اطمأن إليه القلب» أي سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه وفي ذكر الله ها هنا قولان: أحدهما: أنه ذكر العبد ربه فإنه يطمئن إليه قلبه ويسكن فإذا اضطرب القلب وقلق فليس له ما يطمئن به سوى ذكر الله ثم اختلف أصحاب هذا القول فيه فمنهم من قال: هذا في الحلف واليمين إذا حلف المؤمن على شيء سكنت قلوب المؤمنين إليه واطمأنت ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما ومنهم من قال: بل هو ذكر العبد ربه بينه وبينه يسكن إليه قلبه ويطمئن والقول الثاني: أن ذكر الله هاهنا القرآن وهو ذكره الذي أنزله على رسوله به طمأنينة قلوب المؤمنين فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين ولا سبيل إلى حصول الإيمان واليقين إلا من القرآن فإن سكون القلب وطمأنينته من يقينه واضطرابه وقلقه من شكه والقرآن هو المحصل لليقين الدافع للشكوك والظنون والأوهام فلا تطمئن قلوب المؤمنين إلا به وهذا القول هو المختار وكذلك القولان أيضا في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] والصحيح: أن ذكره الذي أنزله على رسوله وهو كتابه من أعرض عنه: قيض له شيطانا يضله ويصده عن السبيل وهو يحسب أنه على هدى وكذلك القولان أيضا في قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]
والصحيح: أنه ذكره الذي أنزله على رسوله وهو كتابه ولهذا يقول المعرض عنه: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} قال: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 125126]
وأما تأويل من تأوله على الحلف: ففي غاية البعد عن المقصود فإن ذكر الله بالحلف يجري على لسان الصادق والكاذب والبر والفاجر والمؤمنون تطمئن قلوبهم إلى الصادق ولو لم يحلف ولا تطمئن قلوبهم إلى من يرتابون فيه ولو حلف وجعل الله سبحانه الطمأنينة في قلوب المؤمنين ونفوسهم وجعل الغبطة والمدحة والبشارة بدخول الجنة لأهل الطمأنينة فطوبى لهم وحسن مآب وفي قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر: 27-28] دليل على أنها لا ترجع إليه إلا إذا كانت مطمئنة فهناك ترجع إليه وتدخل في عباده وتدخل جنته وكان من دعاء بعض السلف: اللهم هب لي نفسا مطمئنة إليك.
فصل:
قال صاحب المنازل: الطمأنينة: سكون يقويه أمن صحيح شبيه بالعيان وبينها وبين السكينة فرقان: أحدهما: أن السكينة صوله تورث خمود الهيبة أحيانا والطمأنينة سكون أمن في استراحة أنس والثاني: أن السكينة تكون نعتا وتكون حينا بعد حين والطمأنينة لا تفارق صاحبها الطمأنينة موجب السكينة وأثر من آثارها وكأنها نهاية السكينة فقوله: سكون يقويه أمن أي سكون القلب مع قوة الأمن الصحيح الذي لا يكون أمن غرور فإن القلب قد يسكن إلى أمن الغرور ولكن لا يطمئن به لمفارقة ذلك السكون له والطمأنينة لا تفارقه فإنها مأخوذة من الإقامة يقال: اطمأن بالمكان والمنزل: إذا أقام به وسبب صحة هذا الأمن المقوى للسكون: شبهه بالعيان بحيث لا يبقي معه شيء من مجوزات الظنون والأوهام بل كأن صاحبه يعاين ما يطمئن به فيأمن به اضطراب قلبه وقلقه وارتيابه وأما الفرقان اللذان ذكرهما بينها وبين السكينة فحاصل الفرق الأول: أن السكينة تصول على الهيبة الحاصلة في القلب فتخمدها في بعض الأحيان فيسكن القلب من انزعاج الهيبة بعض السكون وذلك في بعض الأوقات فليس حكما دائما مستمرا وهذا يكون لأهل الطمأنينة دائما ويصحبه الأمن والراحة بوجود الأنس فإن الاستراحة في السكينة قد تكون من الخوف والهيبة فقط والاستراحة في منزل الطمأنينة تكون مع زيادة أنس وذلك فوق محرد الأمن وقدر زائد عليه وحاصل الفرق الثاني: أن الطمأنينة ملكة ومقام لا يفارق والسكينة تنقسم إلى سكينة هي مقام ونعت لا يزول وإلى سكينة تكون وقتا دون وقت هذا حاصل كلامه والذي يظهر لي في الفرق بينهما أمران سوى ما ذكر:
أحدهما: أن ظفره وفوزه بمطلوبه الذي حصل له السكينة بمنزلة من واجهه عدو يريد هلاكه فهرب منه عدوه فسكن روعه والطمأنينة بمنزلة حصن رآه مفتوحا فدخله وأمن فيه وتقوى بصاحبه وعدته فللقلب ثلاثة أحوال أحدها: الخوف والاضطراب والقلق من الوارد الذي يزعجه ويقلق.
الثاني: زوال ذلك الوارد الذي يزعجه ويقلقه عنه وعدمه الثالث: ظفره وفوزه بمطلوبه الذي كان ذلك الوارد حائلا بينه وبينه وكل منهما يستلزم الآخر ويقارنه فالطمأنينة تستلزم السكينة ولا تفارقها وكذلك بالعكس لكن استلزام الطمأنينة للسكينة أقوى من استلزام السكينة للطمأنينة الثاني: أن الطمأنينة أعم فإنها تكون في العلم والخبر به واليقين والظفر بالمعلوم ولهذا اطمأنت القلوب بالقرآن لما حصل لها الإيمان به ومعرفته والهداية به في ظلم الآراء والمذاهب واكتفت به منها وحكمته عليها وعزلتها وجعلت له الولاية بأسرها كما جعلها الله فبه خاصمت وإليه حاكمت وبه صالت وبه دفعت الشبه وأما السكينة: فإنها ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه وسكونه وزوال قلقه واضطرابه كما يحصل لحزب الله عند مقابلة العدو وصولته والله سبحانه أعلم.
فصل:
قال: وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى: طمأنينة القلب بذكر الله وهي طمأنينة الخائف إلى الرجاء والضجر إلى الحكم والمبتلى إلى المثوبة قد تقدم أن الطمأنينة بذكر الله بكلامه وكتابه ولا ريب أن الذي ذكره في هذه الدرجة: هو من جملة الطمأنينة بذكره وهي أهم من ذلك فذكر طمأنينة الخائف إلى الرجاء فإن الخائف إذا طال عليه الخوف واشتد به وأراد الله عز وجل أن يريحه ويحمل عنه: أنزل عليه السكينة فاستراح قلبه إلى الرجاء واطمأن به وسكن لهيب خوفه وأما طمأنينة الضجر إلى الحكم فالمراد بها: أن من أدركه الضجر من قوة التكاليف وأعباء الأمر وأثقاله ولاسيما من أقيم مقام التبليغ عن الله ومجاهدة أعداء الله وقطاع الطريق إليه فإن ما يحمله ويتحمله فوق ما يحمله الناس ويتحملونه فلابد أن يدركه الضجر ويضعف صبره فإذا أراد الله أن يريحه ويحمل عنه: أنزل عليه سكينته فاطمأن إلى حكمه الديني وحكمه القدري ولا طمأنينة له بدون مشاهدة الحكمين وبحسب مشاهدته لهما تكون طمأنينته فإنه إذا اطمأن إلى حكمه الديني علم أنه دينه الحق وهو صراطه المستقيم وهو ناصره وناصر أهله وكافيهم ووليهم وإذا اطمأن إلى حكمه الكوني: علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له وأنه ما يشاء كان وما لم يشأ لم يكن فلا وجه للجزع والقلق إلا ضعف اليقين والإيمان فإن المحذور والمخوف: إن لم يقدر فلا سبيل إلى وقوعه وإن قدر فلا سبيل إلى صرفه بعد أن أبرم تقديره فلا جزع حينئذ لا مما قدر ولا مما لم يقدر نعم إن كان له في هذه النازلة حيلة فلا ينبغي أن يضجر عنها وإن لم يكن فيها حيلة فلا ينبغي أن يضجر منها فهذه طمأنينة الضجر إلى الحكم وفي مثل هذا قال القائل:
ما قد قضى يا نفس فاصطبري له ** ولك الأمان من الذي لم يقدر

وتحققي أن المقدر كائن ** يجري عليك حذرت أم لم تحذري